فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: استغفاره لهم الثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون الرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال اغفر لقومي كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي هذا غلامي هذا صاحبي فهبه لي واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله هذه المعاملة فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقا فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن أو اترك فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى ما أساء إليه هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعيته الخاصة قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي شكى إليه قرأبته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال: «لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك» رواه مسلم هذا مع ما يتعجله من ثناء الناس عليه ويصيرون كلهم معه على خصمه فإنه كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير وهو مسيء إليه وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء وذلك أمر فطري فطر الله عباده فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكرا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعا ولا خبرا هذا مع أنه لابد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده وينقاد له ويذل له ويبقى من أحب الناس إليه وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة والله هو الموفق المعين بيده الخير كله لا إله غيره وهو المسئول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه وفي الجملة ففي هذا المقام من الفوائد ما يزيد على مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة سنذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم والعلم بأن هذه آلات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه فهو الذي يحسن عبده بها وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك» صحيح فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله تعالى بل يفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه وتجرد الله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل والله يتولى حفظه والدفع عنه فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فإن كان مؤمنا فالله يدافع عنه ولابد وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع وإن مزج مزج له وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة كما قال بعض السلف من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين قال بعض السلف: (من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء) فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر وليس له أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به وأن لا يخاف معه غيره بل يكون خوفه منه وحده ولا يرجوا سواه بل يرجوه وحده فلا يعلق قلبه بغيره ولا يستغيث بسواه ولا يرجو إلا إياه ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل من جهته فمن خاف شيئا غير الله سلط عليه ومن رجا شيئا سوى الله خذل من جهته وحرم خيره هذه سنة الله في خلقه: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
فصل:
فقد عرفت بعض ما اشتملت عليه هذه السورة من القواعد النافعة الهامة التي لا غنى للعبد عنها في دينه ودنياه ودلت على أن نفوس الحاسدين وأعينهم لها تأثير وعلى أن الأرواح الشيطانية لها تأثير بواسطة السحر والنفث في العقد وقد افترق العالم في هذا المقام أربع فرق ففرقة أنكرت تأثير هذا وهذا وهم فرقتان: فرقة اعترفت بوجود النفوس الناطقة والجن وأنكرت تأثيرهما البتة وهذا قول طائفة من المتكلمين ممن أنكر الأسباب والتقوى والتأثيرات وفرقة أنكرت وجودهما بالكلية وقالت: لا وجود لنفس الآدمي سوى هذا الهيكل المحسوس وصفاته وأعراضه فقط ولا وجود للجن والشياطين سوى أعراض قائمة به وهذا قول كثير من ملأحدة الطبائعيين وغيرهم من الملأحدة المنتسبين إلى الإسلام وهو قول شذوذ من أهل الكلام الذين ذمهم السلف وشهدوا عليهم بالبدعة والضلالة الفرقة الثانية: أنكرت وجود النفس الإنسانية المفارقة للبدن وأقرت بوجود الجن والشياطين وهذا قول كثير من المتكلمين من المعتزلة وغيرهم الفرقة الثالثة: بالعكس أقرت بوجود النفس الناطقة المفارقة للبدن وأنكرت وجود الجن والشياطين وزعمت أنها غير خارجة عن قوى النفس وصفاتها وهذا قول كثير من الفلاسفة الإسلاميين وغيرهم وهؤلاء يقولون إنما يوجد في العالم من التأثيرات الغريبة والحوادث الخارقة فهي من تأثيرات النفس ويجعلون السحر والكهانة كله من تأثير النفس وحدها بغير واسطة شيطان منفصل وابن سينا وأتباعه على هذا القول حتى أنهم يجعلون معجزات الرسل من هذا الباب ويقولون إنما هي من تأثيرات النفس في هيولى العالم وهؤلاء كفار بإجماع أهل الملل وليسوا من أتباع الرسل جملة الفرقة الرابعة وهم أتباع الرسل وأهل الحق أقروا بوجود النفس الناطقة المفارقة للبدن وأقروا بوجود الجن والشياطين وأثبتوا ما أثبته الله تعالى من صفاتهما وشرهما واستعاذوا بالله تعالى منه وعلموا أنه لا يعيذهم منه ولا يجيرهم إلا الله تعالى فهؤلاء أهل الحق ومن عداهم مفرط في الباطل أو معه باطل وحق الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فهذا ما يسر الله تعالى من الكلام على سورة الفلق. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الفلق:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)}
قوله: {الفلق}: هو الصُّبْحُ. وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَضِ، أي: مَفْلوق. وفي الحديث: «الرُّؤْيا مِثْلُ فَلَقِ الصُّبح» قال الشاعر:
يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتَقِبًا ** أَرْعَى النجومَ إلى أنْ نَوَّرَ الفَلَقُ

وقال ذو الرمة:
حتى إذا ما انجلى عن وَجْهِه فَلَقٌ ** هادِيْهِ في أُخْرَياتِ الليلِ مُنْتَصِبُ

وقيل: هو جُبُّ في جهنَّمَ.
وقيل: المطمئِنُّ من الأرض. وجمعُه فُلْقان.
وقيل: كلُّ ما فُلِقَ كالحَبِّ والأرضِ عن النبات.
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)}
قوله: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ}: متعلقٌ بـ: {أعوذُ} والعامَّةُ على إضافةِ {شَرِّ} إلى (ما) وقرأ عمرو بن فائد بتنوينه.
وقال ابنُ عطية: عمروُ بن عبيد وبعضُ المعتزلة الذين يَرَوْن أنَّ اللَّهَ لم يَخْلُقِ الشرَّ: {مِنْ شَرٍ} بالتنوين {ما خلقَ} على النفي، وهي قراءة مردودةٌ مبنيَّةٌ على مذهبٍ باطلٍ. انتهى ولا يتعيَّن أَنْ تكونَ (ما) نافيةً، بل يجوزُ أن تكونَ موصولةً بدلًا مِنْ {شر} على حذفِ مضافٍ، أي: من شَرٍ شَرِّ ما خَلَقَ. عَمَّم أولًا ثم خَصَّص ثانيًا وقال أبو البقاء: وما على هذا بدلٌ مِنْ {شرّ} أو زائدةٌ. ولا يجوزُ أَنْ تكونَ نافيةٌ؛ لأنَّ النافيةَ لا يتقدَّمُ عليها ما في حَيِّزِها. فلذلك لم يَجُزْ أَنْ يكونَ التقدير: ما خَلَقَ مِنْ شر، ثم هو فاسِدُ المعنى. قلت: وهو رَدٌّ حسنٌ صناعيٌّ. ولا يقال: إنَّ {مِنْ شرّ} متعلقٌ بـ: {أعوذُ} وحُذِفَ مفعولُ {خَلَق} لأنه خلافُ الأصلِ. وقد أَنْحى مكيُّ على هذا القائلِ، ورَدَّه بما تقدَّم أقبحَ رَدّ. و(ما) مصدريةٌ، أو بمعنى الذي.
{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)}
قوله: {وَقَبَ}: وَقَبَ الليلُ: أظلم، والعذابُ: حَلَّ، والشمسُ: غَرَبَتْ: وقيل: وَقَبَ، أي: دَخَلَ قال الشاعر:
وَقَبَ العذابُ عليهمُ فكأنَّهمْ ** لَحِقَتْهُمُ نارُ الس‍َّمومِ فأُحْصِدوا

والغاسِقُ قيل: الليلُ.
وقيل: القمر. سُمِّي الليلُ غاسِقًا لبُرودته. وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في سورة ص. واسْتُعيذ من الليل لِما يبيتُ فيه من الآفاتِ.
قال الشاعر:
يا طيفَ هندٍ لقد أَبْقَيْتَ لي أَرَقا ** إذ جِئْتَنا طارقًا والليلُ قد غَسَقا

أي: أظلمَ واعْتَكَرَ. و(إذا) منصوب بـ: {أعوذُ}، أي: أعوذُ باللَّهِ مِنْ هذا في وقتِ كذا.
{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)}
قوله: {النفاثات}: جمع نَفَّاثَة مثالُ مبالغةٍ. من نَفَثَ، أي: نَفَخَ. واخْتُلِفَ فيه فقال أبو الفضل: شَبَّه النَّفْخَ من الفمِ في الرُّقْيَةِ ولا شيءَ معه. فإذا كان بِرِيْقٍ فهو التَّفْلُ وأنشد:
فإنْ يَبْرَأْ فلم أَنْفُِثْ عليهِ ** وإنْ يَفْقَدْ فَحَقَّ له الفُقُودُ

وقال الزمخشري: (نَفْخٌ معه رِيْقٌ) وقرأ الحسن {النُّفَّاثات} بضم النون، وهي اسم كالنُّفَّاخَة. ويعقوب وعبدُ الله بن القاسم {النافِثات} وهي محتملةٌ لقراءة العامة، والحسن ايضًا وأبو الرَّبيع {النَّفِثات} دونَ ألفٍ كحاذِر وحَذِر. ونَكِّر غاسِقًا وحاسدًا لأنه قد يَتَخَلَّفُ الضَّرَرُ فيهما. فالتنكيرُ يفيد التبعيضَ. وعَرَّفَ {النفَّاثات}: إمَّا للعَهْدِ كما يروى في التفسير، وإمَّا للمبالغةِ في الشَّرِّ. اهـ.